تعيش البشرية مرحلة “الرقمنة” أو ما يُعرف بالثورة الرقمية، التي صار فيها الإنسان “رقميًا”، ولا تزال منتجات هذه الثورة تعد بتطورات أكبر وأسرع، تصل بنا إلى آفاق بعيدة كنا نعتقد في السابق أنها من المستحيلات، ولكن أصبحنا الآن أمام واقع جديد يفرض علينا آلياته.
“الميتافيرس” مفهوم قادم من عالم الخيال العلمي، يعتبره خبراء صناعة التكنولوجيا خليفةً للإنترنت اليوم.
إنه مجرد رؤية في هذه المرحلة، لكن شركات التكنولوجيا مثل فيسبوك تهدف إلى جعله مكانًا للعديد من الأنشطة عبر الإنترنت، بما في ذلك العمل واللعب والدراسة والتسوُّق.
شركة فيسبوك وصفت تقنية الميتافيرس على أنها عبارة عن مزيج من الأنشطة والتجارب الاجتماعية التي سيتم توفيرها عبر الإنترنت.
بالطبع بعض هذه الأنشطة متوفرة الآن عبر الإنترنت، لكن المستخدم ينظر من خلال شاشة، أما في هذه التقنية، فسوف يقوم المستخدم بهذه التقنية بطريقة مجسمة ثلاثية الأبعاد.
“الميتافيرس” بيئة افتراضية غامرة، تتيح للمستخدمين العمل واللعب والتواصل مع أصدقائهم، ويمكننا التفكير بها على أنه إنترنت متجسد، تتواجد فيها فعليًا بدلًا من مجرد النظر إليها كما يحدث الآن، ويتطلب التواجد في الميتافيرس الحصول على نظارات واقع افتراضي خاصة مصممة لهذا الغرض، واستخدام برامج معينة مثل “غرف عمل هورايزن” (Horizon Workrooms) التي أطلقتها فيسبوك قبل مدة.
ولا يملك أحد الميتافيرس فهي مصدر مفتوح، وما يُشعل خيال المستثمرين والشباب الآن في مختلف أرجاء العالم هو العقارات، حيث تتصدر أخبار صفقات العقارات الافتراضية عناوين الأخبار مع تسجيل معاملات بالملايين بين يوم وآخر.
كان يقال قديمًا، “لا أحد يشتري السمك في الماء”، أما الآن تبدلت الأحوال، فهناك من يشتري العقارات في العالم الافتراضي.
نعم هناك من يشتري العقارات الافتراضية في عالم الميتافيرس، ويدفعون مبالغًا خياليةً من الأموال الحقيقية مقابل هذه العقارات الافتراضية.
بل وأسعارها تتجاوز أسعار العقارات في عالم الواقع، والأغرب أنهم يشترونها دون أن يتمكنوا من زيارتها حتى الآن.
فهذا السوق ولد من رحم مستقبل العالم الافتراضي، إذا كنت تعتقد أن هذا شيء من الجنون، أو نوع من المقامرة، أقول لك لا تتعجل بالحكم يا صديقي، فعمالقة التكنولوجيا في العالم ليسوا أغبياء، بل يستثمرون أموالهم بشكل صحيح، فأسعار هذه العقارات الافتراضية تقفز وتتضاعف بشكل يومي.
على سبيل المثال من يشتري اليوم عقارًا افتراضيًا بقيمة مليون دولارًا ربما تصبح قيمته بعد فترة من الزمن مليار دولار، لأن قيمة هذه العقارات مرتبطة بالندرة والرغبة، لتوضيح الفكرة أكثر عند بداية ظهور العملات الرقمية، هناك شخص اشترى قطعتين من البيتزا مقابل عشرة آلاف من عملة البيتكوين، أما اليوم فمبلغ العشرة آلاف بيتكوين يساوي ما يقارب 600 مليون دولار.
من المتوقع في 2022 أن تبلغ صناعة الواقع الافتراضي 209.2 مليار دولار، لذا من الآمن القول أنها مستمرة و لن تنحل قريبًا.
العقارات الافتراضية هي أصل رقمي غير قابل للاستبدال في عالم الميتافيرس، حيث يتفاعل الناس من جميع الأنواع باستخدام شخصياتهم الرقمية، كما يمكن للناس التجول مع الأصدقاء وزيارة المباني الافتراضية وحضور الأحداث الافتراضية داخل هذه المجمعات، وتشمل جميع الجوانب الاجتماعية والتجارية والترفيهية، وذلك لتجربة مشتركة داخل عالم افتراضي، بمعنى آخر هي استنساخ لعالمنا الواقعي في العالم الافتراضي، حيث يمكن شراء وبيع الأراضي والمباني والصور الرمزية وحتى الأسماء، وغالبًا ما تجلب مئات الآلاف من الدولارات، فالندرة الرقمية هي العامل الأساسي لكل العالم الافتراضي، وهناك قدر محدود من العقارات الافتراضية مثل المجال المادي، ويتم شراء وبيع الأراضي الافتراضية.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، لو قال لك أحدهم سأبيعك قطعة أرض افتراضية مقابل 1 إيثريوم (الإيثريوم يعادل تقريبا 3200 دولار)، لظن معظمنا أنه يسخر منا، لكننا الآن قد نعض أصابعنا ندمًا، حيث نشاهد حاليًا اندفاعًا حقيقيًا للشباب والمشاهير، لاستثمار ملايين الدولارات في شراء العقارات في العالم الافتراضي الذي يسمى “ميتافيرس”.
وقد وصفت مجلة “فورتشن” (Fortune) في تقرير لها مؤخرًا هذا الاندفاع بأنه “فرصة بمليارات الدولارات”، حيث يريد كل شخص في المجتمع الرقمي الجديد أن يسابق الزمن لشراء قطعة أرض أو شقة أو مكتب في الأرض الافتراضية، ولا أحد يريد أن يفوته القطار، لكن، ما زال هناك متسع للجميع، فحاليا، بل الآن وأنت تقرأ هذه السطور يتم توفير المزيد من العقارات الافتراضية في الميتافيرس.
يعتمد السعر الذي ستدفعه مقابل قطعة من العقارات الافتراضية في الميتافيرس على معظم العوامل نفسها التي تستخدمها لتحديد قيمة قطعة من الأرض أو العقار في الواقع الفعلي مثل الموقع أو المنطقة، والمساحة، والبنى التحتية المتوفرة، والفرص الاستثمارية المستقبلية.
يتساءل الكثيرون هل شراء العقارات الافتراضية في الميتافيرس مغامرة مضمونة العواقب أم هي مغامرة محفوفة بالمخاطر؟
هناك فرصا مؤكدة وموثقة للربح، ويمكن أن تكسب العقارات الافتراضية قيمة كبيرة بمرور الوقت، ولكن هناك أيضا فرص كبيرة للخسارة، فهذه عقارات وأراض افتراضية موجودة في منصات رقمية أشبه بالمدن، ولكن هذه “المدن” قد تتحول إلى مجرد شبح رقمي غير موجود في أي لحظة، ومن دون سبب على الإطلاق.
إن الاستثمار في القطاع العقاري في الميتافيرس هو استثمار تخميني غير عادي، ومع الأسف لن يكون بمقدورك التأكد أن الأرض أو العقار الذي ستستثمر به سيبقى موجودًا بما يكفي من الوقت في المستقبل حتى تتمكن من تحقيق الربح من استثمارك.
وفي النهاية ربما يكون الأمر مجرد مغامرة، أو ضربة حظ، فالعملات الرقمية المشفرة كانت في بداياتها تعرض للبيع بسنتات معدودة، والآن تصل قيمتها إلى آلاف الدولارات.