ما قيمة كشفك لأسرار شخص على الملأ، ما المبرر أن تضع حياته تحت مسمع ومرآى صفحات السوشيال ميديا، ما الافادة من وضع الناس العادية تحت ضوء لا يرغبون فيه؟؟
فى الستينات قام مصور صحفى بتصوير جثث لأربعة أطفال حين انتشالهم من نهر بأمريكا وبالرغم من مطالبة الشرطة والأهالى له بعدم التصوير الا أنه إستمر فى التصوير بزعم تنفيذ واجبه المهنى ولو سألنا أنفسنا إلى أى مدى يعد تصوير المصائب والمآسى الخاصه فى حياة الاشخاص عملاً أخلاقياً؟ ستكون الإجابة لها وجهتين نظر:
هناك من يقول هذا عمله المهنى مما يتطلب منه الخروج بصورة جيدة ومؤثرة، أما أخلاقيا فلا يجوز استغلال آلام الناس وتصوير خصوصياتهم عنوه واعتباره فرض بأى حجة حتى ولو للمساعدة.
فمن سمح للإعلام أن ينشر تفاصيل جنازة فنانه ومحاولة الدخول عنوة لقبرها وتسليط العدسات على دموع أبنائها ومطارده أحبائها،هو نفسه من شجع على تصوير جثث متفحمة من جراء تصادم واشتعال قطار، وهو الذى استضاف مريضه نفسية أمام الشاشات وتبرأ أهلها منها على الهواء، وهو الذى خاض فى حياة كبار الفنانين ومشاكلهم مع أولادهم فى المحاكم وتفاصيل خاصة فى الزواج والطلاق وتسريب فيديوهات وغيرها من الأمور التى لا تفيد إلا أصحابها ولا تدخل فى مبدأ حق المعرفة للمشاهد، أنما تعد تصنف فى بند النميمه والوقيعة وارباك حياة الشخص ووصمته أمام الملأ.
كل هذا أثار شغف حاملى الهواتف المحمولة ذات الكاميرات الحديثة وأصحاب الحسابات المتعددة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، بل أصاب سعارهم تجاه تكشف وتتبع العورات، وكشف الستر عن أى إنسان مهما كان، ومهما كان هذا الستر مؤذى، المهم صعود التريند وجمع اللايكات والتلاسن، والتهافت على إثبات شطارة وحكمة كل مشارك للصور الخاصة أو الفيديو فى رأيه السديد الذى لم ولن يصل إليه أكثر الحكماء فى عصره وأوانه، وأزعم إن تتبعنا كلمات هذا الجهبذ سنجده مستقيها من عده جروبات فى الأساس!
صاحب ذلك ظهور بعض الأشخاص يلقبون بالانفلونسر أو اليوتيوبر والمشاركون فى ما يسمى بتليفزيون الواقع الذين يستخدمون يعرضون كل دقيقة فى حياتهم الشخصية بمزاجهم كمشاعاً خاصاً أمام الكاميرات للحصول على الشهرة وجمع الكثير من المال، مما أسال لعاب العديد كبار وصغار للوصول لمثل هذه الحياه بل، وانتشر أسلوب التلصص على حياة الأخرين ونشرها لسد الرغبة المتوحشة فى سبق النشر قبل الآخرين لتتحول كلمة”سمعت آخر خبر” إلى “هل شاهدت آخر فضيحة؟!”.
فيديوهات وصور لفتاه تنتحر فى المول،رجل يقتل ويقطع رأس آخر، سيدتان تتشاجران بسبب العند فى الرجوع بالسيارة، سيدة تقتل زوجها بسبب التكييف فى العيد، سيدة ترقص فى رحلة إلى آخر القائمة التى لا تنتهى..
وكلنا نعلم ما احدثه نشر وتداول هذه الانتهاكات لتلك الأسر وأفرادها وخراب بيوتهم و اختراق خصوصياتهم وتدمير حياتهم وكسر قلوبهم.
تنص معظم التشريعات وقرارات المحاكم على ضرورة حماية مبدأ” الحق فى الخصوصية” حيث يحق لكل انسان حماية أسرار أسرته من الإفشاء والتداول والتشهير.
فإذا تم التجاهل لهذا الحق والصياح مع كل قضية ثم التهاون والسكوت بعدها، ستزيد حالة السعار وليس بعيد أن نجد كاميرات المهورين والموتورين فى غرفنا وسياراتنا ومكاتبنا وخروجنا وحياتنا كلها وفى كل مكان، تصور كل نفس وهمسه ولفته، أما العاقبه لا يمكن تصورها ولو لحظه.
يا أولى الأمر إلحقونا، ونفذوا قوانين “الحق فى الخصوصية”، اغيثونا من السوشيال ميديا وافتراسها للحياة الخاصة، طالما أصبحت أمر يومى ودائم فى حياتنا، وجب تقنينها وحماية حياتنا من العابثين بها وفيها، فضلاً عن الوعى الدائم لاستخدامها الصحيح وتجنب مخاطرها.
وأذكر أبياتاً للإمام الشافعي يقول فيها:
إن شئــت أن تحيـا سليماً مــن الأذى
وحظك موفور وعرضك صين
لسانــك لا تـذكر بـه عـورة امـريء
فكلك عــورات وللنـــاس ألسـن
وعينــــك إن أبـــدت إليـــك معائبــاً
فصنها وقل يا عين للناس أعيـن.