عندما بدأت الموجة الأولى لفيروس كورونا بإثارة الفوضى العالمية، قامت العديد من الشركات بالعمل عن بُعد، بين عشية وضحاها.
ساهم هذا الإجراء، الذي شجعت عليه الحكومات، في الحد من عدد حالات الإصابة بكوفيد 19، ولكنه أحدث أيضاً ثغرات في أمن المعلومات، التي تسارع القراصنة لاختراقها.
فاذا اخذنا الأرقام في النصف الأول من العام الجاري بدولة مصر على سبيل المثال، نجد أن حلول شركة تريند مايكرو حجبت ما يزيد على 13 مليون (13,867,058) هجمة عبر البريد الإلكتروني في الدولة خلال الستة شهور الأولى من عام 2021، فضلاً عن الحيلولة دون وقوع ما يزيد على 1.4 ملايين (1,453,650) هجمة عبر الروابط الضارة، وأكثر من 5,230 هجمة عبر الروابط المضيفة، بالإضافة إلى أكثر من 681 ألف (681,989) هجمة عبر البرامج الضارة تم تحديدها وإيقافها، بالإضافة إلى منع حصول ما يزيد على 11 مليون (11,192,800) هجمة من القراصنة الساعين لاستهداف أو السيطرة على الشبكات المنزلية عبر البرامج الضارة للوصول إلى معلومات حساسة، أو اعتراض الاتصالات، أو شن هجمات خارجية.
فمع أن الإجراءات العالمية الاحترازية أبطأت انتشار فيروس كورونا إلا أنها سرّعت من انتشار الفيروسات السيبرانية في الوجه المقابل، ويتوقع مركز الأمن السيبراني التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي اختراق 74% من الأعمال التجارية في عام 2022. ان التهديدات السيبرانية تلحق أضراراً “لا رجعة عنها” في بعض الأحيان، كما شهدنا في العقود الماضية خروقات داخل المنطقة وعلى الصعيد العالمي في المحطات النووية، وشبكات الطاقة، وأخرى أضاعت بيانات المواطنين بسبب انتهاكات في السجلات الصحية. ومن هنا تأتي أهمية الأمن السيبراني والذي نستطيع ان نقول عنه بأنه شريان التحول الرقمي، فبفضل الأمن السيبراني يبقى المجال الرقمي مصدراً للفرص ونستطيع كذلك بفضله العمل بِحُريّة وأمان، والتركيز على أعمالنا دون القلق من مخاوف الهجمات التي تعطل وتشوّش أعمالنا وتقدمنا.
وستتطلب معالجة كل هذه الثغرات جهدا تعاونيا من الأجهزة المعنية بوضع المعايير، والهيئات التنظيمية الوطنية، وأجهزة الرقابة، واتحادات الصناعات، والقطاع الخاص، وجهات إنفاذ القوانين، والمنظمات الدولية وغيرها من مقدمي خدمات تنمية القدرات والشركات الأمنية، فضلا عن الأفراد، فهم يشكلون جزء كبير من مهمة حماية الأصول الرقمية للبلاد ولشركاتهم، فمسؤولية الأمن السيبرانية هي مسؤولية يتحملها الجميع. وكما أن مكافحة الوباء تتطلب منا البقاء في الحجر الصحي، وارتداء كمامة، فإن مكافحة الفيروسات الالكترونية والهجوم السيبراني، يتطلب التخلي عن بعض الممارسات غير الآمنة والتفكير بشكل استباقي.
ومن هنا نستطيع ان نقول أنه يجب التعويل على رفع قدرات العنصر البشري كذلك وليس فقط امتلاك حلول أمنية، وقد أظهرت الدراسات الاستقصائية أنه رغم وجود استثمار إقليمي قوي في التكنولوجيا، مع توفر الاستثمار الموازي الضروري في تكنولوجيا الأمن لحماية هذه الاستثمارات، إلا أن هناك عدم توافق إقليمي بين الاستثمار في التكنولوجيا، والاستثمار في المهارات، والقدرات المحلية.
وأخيراً أود التنويه أن مصر ضمن الدول السبّاقة نحو التحول الرقمي، حيث تسعى الحكومة إلى بناء مصر الرقمية والدخول في البلاد إلى عصر تكنولوجي جديد والوصول إلى مجتمع مصري يتعامل رقميًا في كافة مناحي الحياة. ومن هذا المنطلق يجب ان نكون مستعدين تماماً لرفع مهارات العنصر البشري والاستثمار فيه وجعل المواطن المصري صمام الأمان لرحلة التحول الرقمي للبلاد، فامتلاك التقنيات الحديثة لا يكفي إذا لم يكن هنالك كفاءات وطنية قادرة على قيادة هذه التقنيات.